منتدى هدى المسلم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

من بدائع القصص النبوى الصحيح

اذهب الى الأسفل

من بدائع القصص النبوى الصحيح Empty من بدائع القصص النبوى الصحيح

مُساهمة من طرف wafaa الأربعاء مارس 19, 2008 7:57 pm

الواسطة
بين
الحق والخلق

لشيخ الإسلام
ابن تيمية
(رحمه الله)



إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد : فإن موضوع الواسطة بين الحق والخلق بحث خطير ، جهله أكثر المسلمين – ويا للأسف – فكان من نتيجة ذلك هذا الذي نعاني ، بعدما حرمنا نصر الله سبحانه وتعالى ، وتأييده الذي وعدنا به إذا ما لجأنا إليه واتبعنا شرعه فقال :-
(وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)
(إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)
(وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ )
(وَلا تَهِنُواْ وَلا تَحْزَنُواْ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
وقد انقسم الناس في فهم الواسطة بين الحق والخلق (أي بين الله تعالى وبين عباده) إلى ثلاث طوائف :-
1- من أنكر كون الرسول صلى الله عليه وسلم بعثه الله سبحانه واسطة – وحده – لتعليم الشريعة ، وادعوا – ويا هول ما ادعوا – إن هذه الشريعة للعوام ، وراحوا يسمونها علم الظاهر ، واعتمدوا في عبادتهم على أوهام وخرافات أطلقوا عليها علم الباطن ، وسموه (كشفاً) وما هو في الحقيقة إلا وساوس إبليسية ووسائط شيطانية مخالفة لأبسط مبادئ الإسلام وشعارهم في ذلك (حدثني قلبي عن ربي) .
وهم في ذلك يسخرون من علماء الشريعة ، ويعينون عليهم لأنهم يأخذون علمهم ميتاً عن ميت .
أما هم فإنهم يأخذون العلم مباشرة عن الحي القيوم ، ففتنوا بذلك كثيراً من العامة وأضلوهم ، وارتكبوا من المخالفات الشرعية ما هو مسجل في كتبهم مما دعا العلماء إلى تكفيرهم وسفك دمائهم بسبب ارتدادهم ، جاهلين أو متجاهلين المبدأ الأول من الشريعة وهو أن من عَبَدَ الله تعالى بغير ما أنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر لا محالة لقوله تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُواْ فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) .
وهكذا زين لهم الشيطان أعمالهم بمحاربة العلم وإطفاء نوره ، فساروا في ظلمات بعضها فوق بعض ، وانصرفوا إلى أهوائهم وخيالاتهم يتعبدون الله بها ، وهم كما وصفهم الله سبحانه وتعالى في القرآن : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً) .
وقد انقسمت هذه الطائفة إلى عدة فرق وطرق يحارب بعضها بعضاً بسبب بعدها عن الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، وجميع هذه الفرق في النار كما ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي : من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) .
2- ومنهم من بالغ في هذه الواسطة ، وفهمها فهماً خاطئاً ، وحملها ما لا تحمل ، فاتخذ من ذات الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء والصالحين وسائط ، معتقداً أن الله سبحانه لا يقبل من عباده عملاً إلا إذا جاؤوا إليه بهؤلاء الوسطاء ليكونوا لهم وسيلة عنده ، تعالى عما يقولون علواً كبيراً ، فقد وصفوه – والعياذ بالله – بما يأبى أن يوصف به حتى الملوك المستبدون الظالمون الذين وضعوا على أبوابهم الحجاب فلا يدخل عليهم إلا من له واسطة .
فأين هذا الاعتقاد من قوله سبحانه : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) .
وهذه الآية الكريمة تشير إلى أن الواسطة الوحيدة للوصول إليه تعالى هي الإيمان إيماناً صحيحاً ، ثم عبادته بما شرع ، وقد قدمت هذه الآية العبادة على الإيمان لتنبيه الناس إلى أهمية العمل الصالح ، وأنه الشرط الضروري ، للفوز برضا الله والحصول على جنته .
وقد ذكر سبحانه الوسيلة في القرآن ويريد بها الطاعات ، وهي الواسطة الوحيدة التي تقربك إليه ، وتفتح لك أبواب رحمته وتدخلك جنته : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .
وقد استهزأ تعالى بالمغفلين الجاهلين الذين يتخذون من عبادة الصالحين وسيلة ، وهم أنفسهم بحاجة إلى هذه الوسيلة ، وهي الطاعة التي تقربهم إلى الله ، ولا سبيل لهم إليه بغيرها كما جاء في قوله تعالى : (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً) .
ومن المؤسف أن هؤلاء المغفلين راحوا يعتمدون على ذوات هؤلاء الوسائط ، مما أغراهم بإهمال الصالحات وارتكاب المحرمات ، الأمر الذي سبب انحطاط المسلمين الذين نسوا أو تناسوا قوله تعالى يخاطب رسوله ، وهو سيد ولد آدم : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ) .
وقوله صلى الله عليه وسلم لابنته وريحانة قلبه : ( يا فاطمة سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً ) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث ، صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ) .
ولم لم يكن في النصوص على عدم جواز التوسل بذوات الأنبياء والصالحين ، غير توسل عمر بن الخطاب بدعاء العباس ، وتركه التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم لكفى في الرد على هذا الفريق ، وما أحسن ما قاله الإمام أبو حنيفة رحمه الله :
(وأكره أن يُسْأَلَ اللهُ إلا بالله) كما في الدر المختار وغيره من كتب الحنفية ، ولو جاز اتخاذ الواسطة إلى الله بذوات من ذكرنا ، لجاءت أدعية القرآن والحديث – وما أكثرها – مقرونة بالتوسل بذاتهم .
3- ومن المسلمين من فهم هذه الواسطة بين الحق والخلق أنها الرسالة ، وهي تبليغ وتعليم وتربية ، وأدرك علو شأنها ومبلغ حاجة البشرية إليها ، فسارعوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يتخذونه الواسطة الكبرى والوسيلة العظمى لتلقي الشريعة والاستضاءة بنور الوحي ، فيتدارسون سيرته وسنته كما يتدارسون القرآن ، شعارهم في ذلك نداء الله سبحانه وتعالى : (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ) .
هذه الفرقة هي الناجية التي ذكرت في الحديث السابق وبشرت بالجنة ، ومن المؤلم أن طريق هذه الطائفة مملوء بالأشواك والعقبات ، لأن الإسلام الصحيح أصبح غريباً ، وقد بعد عنه المسلمون – أغلب المسلمين – واستعاضوا عنه بالبدع والأوهام .
وهذا البلاء قديم ، ودور المصلحين فيه شاق وخطير ، قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : (أننا نعالج أمراً لا يعين عليه إلا الله تعالى ، قد فني فيه الكبير ، وشاب الصغير ، وهاجر الأعرابي ، يحسبونه ديناً ، وليس هو عند الله بدين) .
ولا بدع في ذلك ، فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن غربة الدين فقال : (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء) (رواه مسلم) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( طوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس) (رواه أبوعمرو الداني بسند صحيح) .
وقال صلى الله عليه وسلم : بعد ما قيل له من الغرباء ؟ :
(أناس صالحون ، في أناس سوء كثير مَنْ يعصيهم أكثر ممن يطيعهم)(صحيح رواه أحمد) .
wafaa
wafaa
عضو
عضو

عدد الرسائل : 48
الأوسمة : من بدائع القصص النبوى الصحيح 1_120011
احترامك لقوانين المنتدى : من بدائع القصص النبوى الصحيح 31010
تاريخ التسجيل : 13/03/2008

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى